مصر دولة العشوائيات
رؤية تحليلية بقلم \ جمال الشرقاوى
من البديهى الشائع فى مصر هو عدم التنظيم و التخطيط العمرانى الصحيح منذ قيام ثورة او انقلاب يوليو 1952 م الذى اطاح بعرش الملك فاروق الاول ملك مصر و السودان فمنذ ايام محمد على باشا والى مصر و محاولة النهوض بالدولة المصرية كان قويا حتى بات الغرب اليهودى الصليبى يخشى مصر ان تتوسع فينسحب البساط من تحت ارجل الاستعماريين الغربيين و قد كان للنهوض العمرانى بمصر شأن عظيم حتى توسع الخديوى اسماعيل باشا حفيد محمد على باشا فى النهوض العمرانى فكان يريد لمصر ان تكون قطعة من اوروبا و بالفعل تم له هذا الامر و صارت مصر تتقدم و لكن على ايدى متخصصين انجليز فى ذلك الوقت فأخرجوا لنا هذه المبانى الرائعة الراقية فى شارع طلعت حرب و التحرير و باب اللوق و جاردن سيتى و الزمالك و غيرها بشوارعها الجميلة و اذا كنا نراها الى الان راقية و جميلة و رائعة فكيف كانت منذ بُنيت و ما هو السبب الذى يجعلها جميلة الى الان ؟ و الجواب هو ان هذه المبانى التى كانت للسكنى بها كل ما يحفظ حياة الانسان فالمسكن واسع و السقف عالى و النوافذ و البلكونات متوفرة و يدخلها الشمس و الهواء من كل ناحية فهى مبانى صحية و انسانية و الشوارع واسعة حتى تكاد من وسعها ان تكون خالية على ما بها من الناس فى زمان انشائها اما بعد انقلاب يوليو او ثورة العساكر عام 1952 م الى يومنا هذا فقد اهمل التخطيط العمرانى القديم و لم يتابعوا خطة مدروسة لتخطيط عمرانى جديد حتى ضاعت الملامح الجمالية القديمة و اثارها التى تريح النفوس و هذا من فعل الثورة العسكرية التى نظمها عبد الناصر و اصدقائه لينسى الناس فى مصر محاسن ذلك العهد القديم و لما حاولوا بداية ان ينزلوا لميدان التخطيط العمرانى بنوا للناس مساكن غير ادمية و ضيقة و يكاد سقفها يلامس رؤوس الناس و غير صحية اسموها " المساكن الشعبية " و هذا النظام موجود الى يومنا هذا فاضطربت نفسية الناس بل و ازداد انتشار الامراض النفسية لان التخطيط العمرانى غير منضبط و بعيد عن واقع حياة الناس مما ادى مع مرور الوقت الى وجود حالة من التكدس السكانى و خلق حالة اخرى مصاحبة لذلك التكدس و هو العشوائيات الموجودة و من العشوائيات ايضا المدافن و المقابر التى توجد فى اى منطقة فى مصر و حتى هذه المقابر امتلأت بالسكان و ازدحمت و اصبحت مأهولة بالناس و هذا مما لا يخفى على احد حتى ضاعت هيبة خشية الموت و الحساب من نفوس الناس جراء سكنى المقابر و الاعتياد عليها و ايضا شملت العشوائيات مناطق كانلة فى الريف المصرى تكدست بالسكان و ازدحمت حتى تم البناء على اراضى زراعية مما ادى الى تقلص رقعة الارض الزراعية مما ادى هذا الامر الى خلق مجاعة و نقص فى المحاصيل الزراعية و السلع الهامة و المنتجات الغذائية تعانى منها البلاد و العباد مما يؤدى الى ان نتسول من اعدائنا الغذاء و ايضا من ضمن العشوائيات المائية اى سكان القوارب من الفقراء و المعدمين و اصبحوا يعيشون و يبيعون و يشترون فى القوارب التى يعيشون فيها مما ادى الى حالة فوضوية من الاستهلاك الادمى لهذه الفئة استلزمت خلق و فتح اسواق عشوائية جديدة لهؤلاء حتى يستطيعون العيش و مواصلة الحياة الطفيلية فى قوارب !! فما هى هذه الاسواق العشوائية ؟ هى انتشار اكشاك السجائر و بيع ما يحتاجونه هذه الفئات المهمشة و المطاعم و انتشار الاكواخ بعد ذلك لتكن حياتهم بكاملها عشوائية و لنا ان نسأل اين يتخلص هؤلاء الناس من فضلاتهم الادمية ؟ فى نهر النيل ! و كذلك التخلص من فضلات الطعام و الشراب و القاذورات " الزبالة " ايضا فى نهر النيل بل من اين لهم بالكهرباء ؟ يسرقون الكهرباء ليمارسوا حياتهم الطبيعية ليلا و هذه المخلفات التى يتسببون فيها و يلقونها فى نهر النيل تقدر بالاطنان مما يساعد على تلويث مياه نهر النيل التى تعتمد عليه مصر اعتمادا كليا فى حياتها الزراعية و المائية و كذلك انتشار العشوائيات فى مناطق كلها عشوائية مثل البساتين و بيرام سلطان و عزبة خير الله و منطقة ترب اليهود " الاربعينات " او " عزبة النصر " و المعادى العرب و منطقة الخارطة القديمة و السيدة عائشة و الزرايب و الامام الشافعى و الامام الليث فهذه مناطق عشوائية السكن و عشوائية التخطيط او قل بؤر عشوائية بُنى على عشوائيتها و نسيان الحكومات لها استهلاك غير عادى و غير منظم و تدمير نفسيات المواطنين الذين يقبع اغلبهم تحت خط الفقر و هذه العشوائيات تسببت فى خلق مناخ من الفوضى فى السكن و فى السير فى الشوارع و الطرقات مما تسبب هذا التخطيط العمرانى الفاشل فى فى اصابة العاقلين و المتفهمين للوضع بحالة احباط من عدم جدوى الاصلاح الحقيقى من ايام انقلاب يوليو 1952 م الى يومنا هذا مع الفارق ان فى عهد جمال عبد الناصر و انور السادات كان هناك ميلا للاصلاح و اما فى عهد الفاسد حسنى مبارك العميل الخائن الذى بنى لنفسه مقبرة تكلفت 15 مليون جنيه و المصريين يعانون من فساده بشدة و جهد جهيد لم يكن هناك ميلا للاصلاح على الاطلاق و لا حتى نية للاصلاح و قد انتشرت فى ايام الحاكم العميل حسنى مبارك اسواق تقام على مدار الاسبوع بطول مصر و عرضها و من اشهرها سوق الجمعة و ما ينتج عن هذه الاسواق من فوضى مرورية و اخلاقية و تكدس " الزبالة " و المخلفات فى اماكن البيع و الاسواق و عدم احترام البائع لاداب النظافة لانه يدفع الرشوة لكى يقف فى اماكن مخالفة ليست من حقه الوقوف فيها و هذا الوضع القاسى نتيجة استغلال الشرطة للوضع الفاسد و اخذ الرشاوى من البائعين مما جعل البائع يحس انه مسنودا من السلطة الفاسدة فتغطرس و تعنت و ترك قاذوراته الكثيرة مما ترتب عليه اصابة النفسية المصرية للشعب المصرى فى الصميم بسبب قلة ادب البائعين و الضوضاء و الصخب و المخلفات الى جانب العشوائيات المنتشرة مثل السرطان فى جسد الكيان المصرى و من ضمن اشكاله و نتيجته او ثمرته المُرة ضيق الشوارع و الحوارى و الازقة مما يضطر الناس ان يركنوا سياراتهم خطأ و بإسلوب مستفز فنجد شارعا بأكمله و فيه سيارة ملاكى واحدة واقفة بالعرض فتتوقف من اجلها حركة مرور الشارع !!! و حتى المارة يسيرون بالكاد بجانب السيارة حتى يعبرون الشارع !! و حتى الارصفة افترشها المواطنون المصريون ما بين جالس فى الشارع و نائم ممدا بلا مأوى على محطة الاتوبيس او بائع متجول او بائع متجول او شحاذ متسول او واضع يده على ارض الرصيف عنوة و يبيع الاطعمة الغير صحية او يعمل شاى للمارة او غيره من المشروعات التى تعتبر العاملين فيها و القائمين عليها بطالة مقنعة و غير كريمة و غير مربحة ربحا حقيقيا ما الذى يحدث ؟ و اين الرقابة ؟ و من المسؤول ؟ فالمسؤول الاول هو التخطيط العمرانى الغير منضبط و السبب هو الحكومة و لابد من اصلاح الخطأ و تداركه فورا فأعصاب المصريين تنهار فى كل لحظة و لابد من مغيث لابد من تخطيط عمرانى نظيف و مساكن مريحة واسعة و عالية السقف و لها تهوية بدلا من جحور الفئران التلاصقة التى يسكنها الشعب المصرى و يطلعون على بعضهم البعض لانها مقتربة من بعضها بشكل عشوائى و غير منظم مما ادى الى انتشار الخيانات الزوجية و انتشار الزنى و تجسس الناس على بعضهم البعض بشكل منتظم و مؤذى مما ساعد على احياء السلوكيات الخاطئة عند العوانس من الجنسين و الارامل و المُطلِقين و المراهقين و المعاقين فكريا و ذهنيا قس على ذلك وجود البطالة فى حياة هؤلاء و تهميشهم فى الحياه مما ترتب عليه انهم يظلون قابعون فى هذه الجحور و العشش اربع و عشرين ساعة كاملة يطلعون على بعضهم و يتلصصون و يتسمعون على بعضهم بل و يرون بعضهم البعض فى اوضاع لا يصح ان يرى احدهم الاخر فى هذه الاوضاع اى فى قلب المسكن و الاسرة مجتمعة على طعام او شراب او بملابس خاصة بالمنزل و لكنه تلاصق الجحور التى يسكنها المصريون و من هنا انتشرت الجرائم كالسرقة و الاغتصاب و الزنى و القتل و الحل ليس بالقبض على هؤلاء المساكين ضحايا الحكومة و الفساد الحكومى و لا بسجنهم و تعذيبهم و لا باستصدار قوانين تعطل فيهم الفطرة البشرية التى اذا ما ارادت الشيء و حرمت منه ثم وجدته ستأخذه و لو سرقة و لو عنوة و دعكم من اكاذيب السلفيين الوهابيين مجانين دولة الخليفة و عودة الخلافة و كلامهم الخطأ و جهلهم الفظيع عن ان من لم يستطع الباءة و الزواج فليصم و او يملك إربه ؟! فهم ضلال و اغبياء و نقلة من الكتب على جهل و غباء لانه كم سنة يصومها المصرى العانس 30 او 40 سنة من الحرمان ؟!!!! و هو يرى كل مغريات الحياه حوله فاتنة فى كل لحظة !! و المحروم يشتهى ما ليس عنده و هو كلام فى حق كل انسان و لكنى اخص المصريين لتعاطفى معهم فالمصريين ضحايا انظمة فاسدة و مرضى نفسيين و عصبيين و يعانون من الفقر و الجوع و من الحرية المنضبطة و من حق الحياه فهل من الممكن ان تتجه الحكومة الى تخطيط عمرانى ادمى يليق بالانسان ان يعيش فيه ؟ هل للحكومة التى تعتبر من وجهة النظر الشرعية ثم القانونية هى اولى الامر و الاب الروحى للشعوب ان تقوم بدورها الحقيقى لانقاذ المجتمع المصرى من حالات الهبوط النفسى و العصبى الحاد و انهيار الاخلاق و انهيار الشخصية فلابد على من يقوم بدور المخطط العمرانى ان يراعى السكن الواسع و السقف العالى و النوافذ المتعددة و عدم اقتراب المساكن من بعضها البعض بشكل مستفز و مثير و غير مريح و لابد ان يراعى البعد الاقليمى للسكان فلا داعى لرجل من الصعيد يسكن الاسكندرية و رجل من القاهرة يُنفى الى اسوان بحجة العمل او السكن كفى جنون و استهتار بأدمية الانسان و لابد ان يراعى المخطط فى الايام القادمة وسع الشوارع و تجنب الازدحام و لابد من مراعاة عدم تداخل اشارات المرور بين الشوارع الرئسية مع الشوارع الفرعية و الجانبية بشكل غبى يؤدى الى قتل المارة و عابرين الطرق
كتبت هذا المقال فى نقابة الصحافيين فى القاهرة \ يونيه \ السبت
18 \ 6 \ 2011 م الساعة 11 ظهرا
جمال الشرقاوى
[ صحفى \ وكالة انباء مصر \ ]